ن السلف من سافر الليالي والأيام على قدمه في طلب الحديث, لا يكل ولا يمل, يلتحف السماء ويفترش الغبراء ويشرب من الغدران ويتوسد كثيبا من الرمال, ويتكئ على الحجارة, ضامر البطن ظامئ الكبد حتى قدم لأمة الإسلام تراثا مباركا يجد ثوابه يوم لا ينفع مال ولا بنون
ومنهم من كان يكتب على ضوء القمر, فإذا غاب عنه قام يصلي إلى الفجر, فإذا أصبح دار على مجالس العلم ينهل ويكتب ويسأل ولا ينام إلا ضرورة ..
النووي كان يحفظ بعد الفجر ويعيد بعد المغرب, ويَدْرُس أول النهار اثني عشر درسا ويؤلف في آخر النهار ويقول الليل ويصوم النهار ومات وهو في الأربعين, فأبقى الله ذكره ورفع قدره ونشر علمه في العالمين
فماذا فعل كثير ممن بلغ السبعين والثمانين والتسعين.....حياة واحدة أولها كآخرها, مكررة ولا جديد فيها, حياة ثقيلة مملة "ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون*ليوم عظيم*يوم يقوم الناس لرب العالمين*"
لن أنساه مادمت حيا
درس معي في الكلية طالب من نيجيريا اسمه عبدالرشيد, كان رياضيا في بلاده, وأوتي قوة في الجسم فصرفها كلها في العبادة, ما رأيت أعبد منه يواصل قيام الليل ويطيل التهجد ويكثر الذكر, ويذرف الدمع من الخشية. لن أنساه مادمت حيا, كان بيني وبينه ود وحب صادق جمعني الله وإياه في الجنة.
الحياة حياة القلب
كان معي زميل لي يدعى محمد سراج الرحمن من باكستان, ونحن في كلية أصول الدين, وكان نحيفا هزيلا صموتا مهذبا متواضعا رافقته في بعض الأسفار, فكان إذا انتصف الليل قام كأنه سارية يصلي حتى الفجر, فيطيل القيام والركوع والسجود والدعاء والبكاء والتلاوة فتعجبت كل العجب, لأنه لحم على عظم, وغير بدين لا يقوم إلا مع الفجر , فعلمت أن الحياة حياة القلب
ســارعوا
تبا لمن يضحك وما وعى القرآن في قلبه وما حفظ السنة في لبه ...
آه من الجثث الهامدة يختطفها الموت ولم تقدم شيئا ولا تعي شيئا ...
يا ويلتاه تقضى العمر وتصرم الزمن وضاع الدهر لا حفظ ولا فهم ولا جد ولا اجتهاد, تراوحون أماكنكم, تقفون والركب أمامكم ...